في ظل أزمات التمويل وتقلبات الاقتصاد العالمي، تواجه العديد من المنظمات غير الربحية، خاصةً العاملة في المجال الإنساني، تحديات مالية متزايدة. فاعتماد العديد منها بشكل كبير على التبرعات والمنح المؤقتة، يجعلها عرضة للفجوات التمويلية التي تهدد استمرارية مشاريعها. 

من التحديات الرئيسية التي تواجه المنظمات غير الربحية في التمويل: الاعتماد على التمويل الخارجي مثل التبرعات والمنح، ما يجعلها عرضة لتقلبات التمويل، وموازنة الإيرادات والمصروفات التي تتطلب إدارةً دقيقةً للتكاليف دون المساس بجودة الخدمة،و من التحديات أيضًا، تعزيز الشفافية والمساءلة لكسب ثقة المانحين والجمهور، وتطوير استراتيجيات مالية مستدامة سليمة وقابلة للتكيف.  

في هذا السياق، تصبح الاستدامة المالية مطلبًا حيويًا وليست خيارًا. وتعني الاستدامة المالية، قدرة المنظمة على تأمين الموارد الكافية لتغطية التزاماتها الحالية والاستعداد لمواجهة تحديات المستقبل، مما يتيح لها البقاء والاستمرار في أداء رسالتها حتى في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

من أجل تعزيز هذه الاستدامة، بات من الضروري أن تتحول المنظمات من الاعتماد الكلي على التبرعات قصيرة الأمد إلى تطوير صناديق مالية استراتيجية متنوعة، تُدار باحتراف وتُنمّى على المدى الطويل، فتنمية الصناديق لا تعني فقط زيادة الإيرادات، بل تشمل أيضًا بناء مرونة مالية تسمح بالتخطيط للمستقبل، والاستثمار في الابتكار، والاستجابة للأزمات بكفاءة.

ما هي صناديق المنظمات غير الربحية؟

المنظمات غير الربحية

صناديق المنظمات غير الربحية، هي صناديق مالية مُخصصة، تحددها المنظمة وتُديرها لأغراض محددة، مثل تمويل مشاريع مستقبلية، أو تغطية الطوارئ، أو دعم العمليات الأساسية، وهذه الصناديق تكون غالبًا خارج ميزانية التشغيل اليومية، وتُدار بحكمة لضمان بقائها ونموها.

على سبيل المثال، يمكن أن يخصص مجلس إدارة المنظمة غير الربحية “صندوق الهبات غير الربحي” للإنفاق في حالات الطوارئ أو الحاجة القصوى، وفي إطار مبلغ سنوي محدد. 

ويمكن أن تخصص المنظمة غير الربحية “الصندوق الاحتياطي” للمشاريع التي تتجاوز مبلغ الإنفاق السنوي دون الحاجة إلى إثبات ظروف الطوارئ المالية أو الحاجة الشديدة. 

أهمية الصناديق المخصصة

بغض النظر عن تسمية الصناديق المخصصة التي تختار المنظمة غير الربحية العمل وفقها، تبقى أهمية هذه الصناديق كبيرة، لأنها تساعد في: 

  • توفير تمويل مستقر للمشاريع الأساسية والمستمرة.
  • تقليل الاعتماد على تمويلات خارجية طارئة.
  • تعزيز قدرة المنظمة على التكيف مع الظروف غير المتوقعة.
  • دعم الابتكار والاستثمار في مجالات جديدة ذات أثر مجتمعي طويل الأجل.

الصناديق الاستثمارية العالمية لتعزيز الاستدامة المالية

وحتى لا تكون المنظمات العالمية غير الربحية رهن تقلبات التبرعات والظروف، تلجأ كثير منها إلى الصناديق الاستثمارية، لتنمية مواردها المالية. 

هذه الصناديق تشمل استثمارات بأدوات مالية متنوعة، ويتم تصنيفها بحسب مستوى المخاطر:

  • صناديق منخفضة المخاطر: مثل السندات الحكومية وشهادات الإيداع، وتتميز بعوائد مستقرة وأمان مرتفع.
  • صناديق متوسطة المخاطر: تشمل استثمارات مختلطة بين السندات والأسهم.
  • صناديق عالية المخاطر: تتضمن الأسهم الفردية أو الاستثمارات الناشئة، وغالبًا ما تُستخدم من قبل الجهات التي لديها قدرة على تحمل تقلبات السوق.

لماذا الصناديق منخفضة المخاطر مناسبة للمنظمات غير الربحية؟

غالبًا ما تلجأ المنظمات غير الربحية إلى الصناديق منخفضة المخاطر، لأنها بحاجة إلى أدوات مالية توازن بين الأمان والنمو، فالصناديق منخفضة المخاطر، تضمن حماية الأموال المخصصة للمشاريع، وتُحقق عوائد ثابتة دون تعريض أموال المنظمة لتقلبات السوق الحادة، وتسمح بالتخطيط المالي طويل الأمد بثقة أكبر.
من أدوات الصناديق منخفضة المخاطر:

  • السندات الحكومية.
  • شهادات الإيداع البنكية.
  • صناديق السوق النقدي.
  • صناديق استثمار أخلاقية تتوافق مع قيم المنظمة.

خطوات عملية مختصرة لبدء تنمية الصناديق المالية

على اختلاف تفاصيل الأنظمة المالية التي تعمل وفقها المنظمات غير الربحية، هناك خطوات عملية أساسية لبدء تنمية أي صندوق مالي لمثل هذه المنظمات: 

  1. تقييم الوضع المالي الحالي: تحليل الإيرادات والنفقات والالتزامات.
  2. وضع خطة مالية واضحة: تتضمن أهدافًا واقعية وقابلة للقياس.
  3. تنويع مصادر الدخل: من خلال المنح، الشراكات، البرامج المدرة للدخل.
  4. استكشاف أدوات الاستثمار الآمنة: عبر مستشارين ماليين متخصصين.
  5. تعزيز الشفافية والمساءلة: لبناء ثقة الداعمين والممولين.
  6. تطبيق ممارسات فعالة من حيث التكلفة: مثل ترشيد النفقات وتبسيط العمليات.
  7. استخدام مؤشرات أداء مالية: لتقييم التقدم وتعديل الاستراتيجية حسب الحاجة.

وفي مختلف مراحل العمل على تعزيز الاستدامة المالية للمنظمة غير الربحية، لابد أن تهتم المنظمة بتقديم التقارير المالية، لأنها تعزز الشفافية، وتضمن ثقة المتبرعين والممولين وتضمن لهم الأمن والسلامة، وتشير إذا ما كان القرار المالي سليمًا أم لا، وتقيّم الأسلوب المالي، إلى جانب الإثبات أنها تمتثل للأنظمة والقوانين. 

دور التدريب في بناء القدرات المالية

رغم أهمية توفير الدعم المالي، وتعزيز الاستدامة المالية للمنظمات غير الربحية، تواجه العديد من هذه المنظمات -خاصة في الدول النامية أو المضطربة اقتصاديًا- تحديات في القدرات المالية. من هنا تأتي أهمية التدريب المتخصص الموجه إلى منظمات العمل الإنساني. 

في الأكاديمية الإنسانية للتنمية HAD نساعد المنظمات غير الربحية على تطوير مفاهيمها المالية والتفكير بحلول استراتيجية لتعزيز التمويل والاستدامة، عبر تدريبات مصممة للمنظمة خصيصًا بناء على احتياجاتها وأولوياتها وظروفها الخاصة. 

على سبيل المثال، نقدم تدريبات في التخطيط المالي طويل الأمد، وتنويع مصادر الإيرادات، وإدارة المخاطر المالية، وغيرها. 

وفي ظل زيادة الحاجة إلى العمل الإنساني الفعال، بالتزامن مع البيئات التمويلية المتقلبة، لم يعد الاكتفاء بالوسائل التقليدية للتمويل كافيًا. 

ترحب أكاديمية HAD بجميع المنظمات الإنسانية غير الربحية، للتعاون معها والانضمام إلى برامجها التدريبية لتطوير قدراتها المالية واستكشاف أدوات فعالة تضمن الاستدامة واستمرار الأثر.