تلعب منظمات المجتمع المدني غير الربحية دورًا حيويًا في مواجهة التحديات الإنسانية والاجتماعية، سواءً في أوقات الأزمات، أو ضمن جهود التنمية المستدامة، فالقطاع غير الربحي، يُقلل الفجوات الخدمية، ويعزز من العدالة الاجتماعية، ويصل إلى الفئات الأكثر احتياجًا. هذا الدور الكبير لمنظمات المجتمع المدني يتطلّب استعدادًا أكبر، في ظل ازدياد حجم الأزمات الإنسانية وتعقيدها، فالكوادر العاملة في هذا القطاع لابد أن تكون مهيّئةً بشكل فعّال ومتكامل.
ورغم تنامي أدوار منظمات المجتمع المدني، إلا أن كثيرًا منها ما زال يواجه تحديًا جوهريًا: نقص القدرات الإنسانية أو ضعف تأهيلها، ما ينعكس على جودة التدخلات وضعف الأثر المتحقق على الأرض.
ماذا يعني بناء القدرات الإنسانية في المنظمات غير الربحية؟
بناء القدرات الإنسانية لا يعني فقط تدريب الأفراد على مهارات أو تقنيات معينة، بل يشمل تطوير المعرفة والمهارات والسلوكيات والقيم المهنية التي تمكّن العاملين من أداء أدوارهم بكفاءة وفعالية واستدامة.
ويشير “بناء القدرات” إلى كل ما هو مطلوب لرفع منظمة غير ربحية إلى المستوى التالي من النضج التشغيلي أو البرمجي أو المالي أو التنظيمي، حتى تتمكن من تطوير مهمتها في المستقبل بشكل أكثر فعالية وكفاءة.
وهو أمر لا يقتصر على قدرات المنظمة اليوم فحسب، بل يشمل أيضًا قدرتها على تحقيق رسالتها بفعالية الآن وفي المستقبل.
هذا يعني أن بناء القدرات الإنسانية هو مزيج من المعرفة والمهارات والخبرات التي تشمل الموظفين والمتطوعين وحتى الإداريين والمُخططين للمنظمة.
ما الفرق بين التدريب التقليدي وتنمية القدرات المتكاملة؟
حين نتحدث عن بناء القدرات الإنسانية، يتبادر إلى الأذهان التدريب بأشكاله المختلفة، وهو أمر مهم بالفعل ، لكن غالبًا ما يقتصر التدريب التقليدي على نقل المعلومة.
بينما تركز تنمية القدرات المتكاملة على تمكين العامل الإنساني من الفهم العميق والسلوك العملي والتطبيق الفعلي في بيئة العمل ، فبناء القدرات لا يكتمل إلا إذا أثمر عن تغيير في طريقة التفكير، وتطوير في المهارات، والتزام في الأداء.
ومن خلال بناء القدرات، تصبح المنظمات أكثر قدرة على التخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، والتقييم ، ويؤدي ذلك إلى تحسين جودة الخدمات الإنسانية، ورفع كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الشفافية والمساءلة، والأهم من ذلك: تحقيق أثر فعلي ومستدام في حياة المستفيدين، وهذا ما نسعى إليه في الأكاديمية الإنسانية للتنمية HAD.
فنحن مدفوعون ومُحفّزون بالإخلاص لله، وواجبنا تجاه الإنسانية، وملتزمون في عملياتنا وبرامجنا وسلوكنا تجاه الأشخاص الذين نخدمهم، كما أننا في الأكاديمية الإنسانية للتنمية، نضع العدل والرحمة نصب أعيننا، من خلال الإيمان بحق الفقراء بالحصول على حقوقهم وتمكين قدراتهم، وتخفيف المعاناة الناتجة عن الكوارث والفقر والظلم.
فمبدأ الأمانة الذي نعمل وفقه، يجعلنا نقدّر موارد الأرض، بما فيها شعوبها، ونحترم الثقة التي يضعها الناس فينا لنكون شفافين ومسئولين.
المبادئ الضرورية لعملية بناء القدرات الإنسانية
بناء القدرات في المنظمات المجتمعية خاصة الإنسانية، عملية متكاملة وديناميكية، لابد أن تسير وفق مبادئ أساسية منها:
- الوضوح والأهمية: فجهود بناء القدرات يجب أن تكون مستندة إلى رؤية واضحة وأهداف محددة. يتطلب الوضوح الإجابة على أسئلة محورية مثل: أين نحن الآن؟ ما القدرات الحالية وكيف تؤثر على الأداء؟ إلى أين نريد أن نصل؟ وما التحسينات المطلوبة.
- الاستعداد: لا يمكن تنفيذ بناء القدرات بفعالية دون وجود استعداد داخلي لذلك، وهذا يشمل تهيئة الأفراد لطبيعة الجهد المطلوب حاليًا، والانفتاح القادر على كسر مقاومة التغيير، وخلق ثقافة تنظيمية ترحب بالنقد البنّاء والتأمل الذاتي.
- الواقعية: منذ البداية مهم توضيح التوقعات وتجنب المبالغة في نتائج بناء القدرات،و يجب أن تكون الأهداف قابلة للتحقيق، مع وعي تام بأن التغيير يحتاج إلى وقت ومثابرة.
- المشاركة: لابد من إشراك العاملين في تصميم البرامج ومراحل تنفيذها، مما يعزز الالتزام ويثري التجربة.
- الدقة: يجب أن تُربط جهود بناء القدرات بنتائج قابلة للقياس على المدى الطويل، مع وجود آليات للتقييم المستمر باستخدام مؤشرات كمية ونوعية، فإنالانضباط والدقة هما ما يميز المنظمات غير الحكومية عالية الأداء، والتحدي يكمن في الحفاظ على هذا النهج بعد انتهاء مرحلة التنفيذ الأولى.
ففي عالم يتغير بسرعة، لم تعد تنمية القدرات رفاهية تنظيمية، بل ضرورة وجودية لأي منظمة تطمح للبقاء والتأثير،و إن غياب الاستثمار في العنصر البشري يهدد جودة العمل وفعالية النتائج، ويحدّ من قدرة القطاع غير الربحي على الاستجابة للتحديات المتزايدة.
HAD تعزز تنمية القدرات الإنسانية في منظمات المجتمع المدني
في الأكاديمية الإنسانية للتنمية (HAD)، نعرف جيدًا متطلبات بناء القدرات الإنسانية في القطاع غير الربحي. فنحن تأسسنا كوحدة للتعلم والتطوير تابعة لمنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية (IRW)، قبل أن نصبح أكاديمية مستقلة ومتميزة عالميًا.
خبرتنا الطويلة في القطاع الإنساني جعلتنا على اطلاع واضح ومفصّل للاحتياجات التدريبية للعاملين في القطاع الإنساني، بما يتوافق مع متطلبات المجتمعات التي تتلقّى الخدمة الإنسانية.
كما أننا نتعاون مع الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية والهيئات الاجتماعية المدنية والمؤسسات الأكاديمية وأفراد آخرين ذوي رؤى مماثلة، لفحص تجارب الميدان بشكل نقدي ونقل هذه المعرفة من خلال التدريب والبرامج، مع دعم المحترفين الإنسانيين الناشئين،و من أبرز أشكال التعاون، تدريباتنا الممتدة منذ عام 2020 في اليمن والسودان، حيث دربنا 69 منظمة غير حكومية في اليمن، ونظّمنا برنامجًا طويلًا متكاملًا في السودان تحت عنوان “تأثير”.
وفي (HAD) نقوم بدور ريادي في دعم القدرات الإنسانية داخل منظمات المجتمع المدني (CSOs) والمؤسسات غير الربحية حول العالم، لا سيما في مناطق الأزمات، ونقدم برامج تدريبية متخصصة وشراكات استراتيجية تسهم في رفع كفاءة الأفراد والمؤسسات على حد سواء، كما أننا نُخضع مدربينا لدورة تدريبية حول كيفية التدريب (TTT) لتأهيلهم كمدربين في القطاع الإنساني.
من أبرز برامج HAD:
- برنامج تطوير القيادة (LDP) وبرنامج تطوير الإدارة (MDP).
- تصميم البرامج والمشاريع الإنسانية بأساليب علمية تلبي احتياجات المجتمعات المتغيرة.
- قياس الأثر وتقييم الأداء لضمان التحسين المستمر وتحقيق نتائج قابلة للقياس.
- الابتكار في العمل الإنساني لتحفيز الإبداع في الاستجابة والتدخل.
ولأن الاستثمار في بناء القدرات الإنسانية هو استثمار في التأثير، وفي التغيير، وفي مستقبل المجتمعات، ندعوكم لنتعاون سوياً ونكون شركاء في بناء منظمات إنسانية قوية تبدأ ببناء إنسان مؤهل، واعٍ، وملتزم.
الفرصة ذهبية أمام المنظمات لتعمل مع خبراء يعرفون جيدًا متطلبات العمل الإنساني، أما بالنسبة للأفراد فيمكنهم أيضًا المساهمة في دعم القطاع الإنساني من خلال التبرع لتدريب موظفين إنسانيين كي يستمروا في مهمّتم النبيلة.
المنشورات ذات الصلة